الاثنين، 12 أكتوبر 2009

قالوا عن الدكتور محمد السيد سعيد بعد وداعه الاخير امس نقلا عن الاهرام


حلم لا يموت


د‏.‏ وحيد عبدالمجيد
يعرف كل من يتمني مستقبلا أفضل لبلادنا حجم الخسارة المترتبة علي غياب عقل لم يتوقف لحظة علي مدي عقود‏..‏ ويدرك كل من تابع مشوار محمد السيد سعيد باحثا وخبيرا ومفكرا حجم الإسهام الذي قدمه في البحث عن طريق للتطور الوطني الديمقراطي والعدل الاجتماعي‏.‏ وكان هذا هو حلمه الذي عاش من أجله مهموما بقضايا الوطن والأمة استقلالا وديمقراطية وعدلا في مختلف المراحل‏.‏ تغير منهجه وطريقة تفكيره وأسلوب معالجته لهذه القضايا‏.‏ ولكن لم يتبدل أبدا الهدف الذي نذر عقله من أجله‏.‏ ولم يفقد البوصلة التي حرص دائما علي أن تهديه الي حيث يكون الحق والخير والحرية‏.‏ولعل هذا كله مما هو معلوم عنه بالضرورة لمن اتفقوا معه ومن اختفلوا معه علي حد سواء‏.‏ ولكن ما قد لا يعرفه من تابعوه عن بعد هو أنه واحد من أقلية صغيرة وربما متناهية الصغر اختزلت حياتها فيما هو عام وتضاءل لديها كل ما هو خاص‏.‏لم يتأثر محمد السيد سعيد‏,‏ مثله مثل قليل من المصريين‏,‏ بطغيان المصالح الخاصة التي جرفت في طريقها قيما وأخلاقا وسلوكيات باتت في يومنا هذا استثناء‏,‏ ودمرت مفهوم المصلحة العامة فانحسر الشعور به وتراجع ما يقترن به من أداء‏.‏ظل‏,‏ مع قليل في هذا البلد‏,‏ قابضا علي إيمانه بأنه لا نجاة لنا إلا عبر إصلاح يرسي القواعد والمعايير الموضوعية التي تتحول الأوطان والمجتمعات في غيابها إلي أحراش يضيع فيها الضعفاء ويعلو فيها صوت القوة الغاشمة المستمدة من مال أو جاه أو سلطة‏.‏لم يتوقف عقله لحظة عن الحركة في زمن ساده الجمود‏,‏ وهو يفكر في سبيل تحقيق حلم ألهمه طاقة فكرية حتي في مرضه مثلما ألهم هو آخرين من تلاميذه وأصدقائه وقرائه سيحملون هذا الحلم بعده‏.‏ ولذلك لم يمت حلم محمد السيد سعيد‏..‏ ولن يموت‏.‏



لماذا فعلتها؟
د‏.‏ رفعت السعيد نقلا عن الاهرام
منذ الزمان القديم كان الدور السادس بالأهرام ملتقانا‏,‏ وكنا في الطليعة وأنتم في مركز الدراسات نعتبر انفسنا معا كتيبة جديدة بفكر جديد‏,‏ ورؤي جديدة‏.‏ وأنت كالعادة كنت من تحضر مبكرا جدا كطائر يستيقظ مع طلوع الفجر‏,‏ وكنت تستحضر الفجر معك لتجلس معا وأنا المبكر أيضا لنتحاور ونناقش ونستطلع معا أفق مستقبل نحلم به‏.‏وتمضي سنوات ويزداد نضج رؤاك وتتضاعف طموحاتك لهذا الوطن‏.‏ وتصبح الأفكار أكثر خصوبة ومن ثم أكثر قدرة علي التلاقي والتآخي مع احترام المسافات التي قد تتوالد مع توالد أفكار جديدة‏.‏ وفيما كنت تستعد لمناقشة رسالة الدكتوراه اختلفنا حول مدي قدرتك علي طرح هذه الأفكار بهذه الجرأة وبهذا الوضوح‏,‏ متحديا القديم والمألوف وراغبا في أن تحلق في سماء فكر جديد وطموح جدير بك وبأفكارك المتجددة‏.‏ أنت صممت وطمأنتني لكنك فعلتها واستطعت وكانت مناقشتك لرسالتك رسالة إلي المفكرين الجدد‏,‏ كيف يكتشفون المستقبل عبر الماضي ومن خلال الحاضر‏.‏ وانتصرت يا صديقي‏.‏ ثم تألقت علي صفحات البديل وكأنك كنت تصوغ هذا التألق من آخر نسمات الحياة‏.‏وتأتي أيام كنت تعرف فيها كل شيء‏.‏ وتعرف أن ما تبقي قليل‏,‏ لكنك يا من بذلت كل أيام الماضي سعيا نحو الوطن لم تضن علي شعبك ووطنك بما تبقي‏.‏ وحتي آخر نسمات الحياة عشت قضية وطنك‏.‏ ولكن لماذا فعلتها بهذه العجلة؟ أعرف أن قضاء الله قد أتي في موعده‏,‏ لكن ألم نكن في خاطرك وأنت ترحل؟ ألم يكن بإمكانك أن تتمهل حتي ولو دقائق لنقول لك وداعا؟ تتعال وأنت لم تزل في خاطرنا وستظل في خاطرنا لأقول لك حتي برغم رحيلك‏..‏ فأنت باق معنا‏..‏ وستبقي معنا‏.‏ ولا تظن أنك قد ارتحت من مشاكساتنا ولا من مشكلاتنا فأنت حاضر فيها وحاضر معنا دوما‏.‏


النبيل



د‏.‏ جمال عبدالجواد
عندما التقيته لأول مرة في عام‏1983‏ في الولايات المتحدة تفاجأت بهذا الشاب الرقيق المهذب المتواضع بعد أن كانت صورته التي رسمتها في ذهني كتاباته وما سمعته عنه من أصدقائه تختلف كثيرا عن ذلك‏.‏ كنت تائها في ذلك البلد البعيد الذي أزوره لأول مرة بعد أن وصلت في ساعات الليل الأولي عندما كان الموظفون المسئولون عن استقبالي وترتيب شئون إقامتي قد غادروا لبيوتهم‏.‏ بحثت عن اسمه في دليل التليفون فجاء مسرعا‏.‏ شعرت بحرج بالغ عندما أصر هو وزوجته الأستاذة الجامعية المرموقة علي أن أبيت الليل علي الفراش الوحيد في منزلهما‏,‏ ترددت كثيرا في قبول العرض الكريم فسهرنا حتي ساعات الصباح الأولي نتحدث في كل شئ قيم ورائع ونبيل فكانت ليلة من أروع مايمكن‏.‏هكذا عرفت محمد السيد سعيد الذي غيبه الموت قبل يومين‏.‏ ليس لدي شك في أن محمد السيد سعيد هو أنبل من عرفت من أبناء جيله‏,‏ ومن أنبه العقول التي أنجبتها مصر خلال العقود الماضية‏.‏ تواصلت صداقتنا وتواصل كرمه واستمرت حواراتنا التي كانت بالنسبة لي منبعا للمعرفة ومحفزا علي المزيد منها‏.‏ تجاورنا في السكن فكنا نمضي ساعات طويلة بالليل نتحاور في كل شئ يتعلق بالعلم والعالم والوطن والعالم‏.‏ لم يكن ثناؤه يريحني لأنه كان يثقلني بأعباء مخافة أن يكتشف أنني لست علي مايظن من الدراسة والمعرفة‏.‏ اختلفت كثيرا مع آراء له لكن وجاهة آرائه ومنطقها القوي كانت دافعا من أجل امتلاك ناصية الحجة لأعيد إشهارها في وجه حجته‏,‏ فأظفر بحوار أرقي من سابقه‏.‏ تمنيت عليه أن ينقطع للقراءة والتأليف فمن الخسارة أن ينشغل مثله بحياتنا السياسية والثقافية الغنية بالتفاهة التي يمكن لكثيرين غيره أن يملؤها بما يناسبها من الصخب والضجيج غير المفيد في أغلب الأحوال‏.‏ لم تعجبه النصيحة فكان في موقع المقدمة والقلب لمشروعات ومبادرات في المجتمع المدني والصحافة‏,‏ فترك بصماته عليها بقدر ماتحتمل هي وبقدر ماتحتمل الأوضاع في مصر‏.‏أمسح دمعة سالت رغما عني لأني لن أراك ثانية‏,‏ ولأني لم أكن بجانبك في أيامك الأخيرة‏.‏ رحلت إلي رحمة لاتضيق‏,‏ وتركتنا نكابد وحشة الفراق‏.‏




المناضل الشريف


عبدالمحسن سلامة
عرفته عن قرب خلال السنوات الأخيرة بحكم عملي النقابي‏,‏ وبحكم عمله كرئيس تحرير لجريدة البديل التي أسسها وقام علي شئونها في ظروف شديدة التعقيد والصعوبة إلا أنه استطاع شق غمار البحر وسط أمواج متلاطمة وهائجة أحيانا‏.‏تحدثت اليه تليفونيا شارحا له رغبتي في العمل النقابي ورؤيتي لمستقبل نقابة الصحفيين وضرورة أن نبتعد بها عن الشطط الفكري أو الحزبي أو المؤسسي لتظل النقابة كما كانت وأبدا ملكا لكل الصحفيين علي اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية والمؤسسية منطلقا في ذلك من فكر الاستاذ كامل زهيري نقيب النقباء ومهندس العمل النقابي لفترة طويلة‏.‏دعاني لزيارته في المقر المؤقت لجريدة البديل حيث اجتمعت كوكبة من الزملاء القدامي والجدد ليفاجئني بإصراره علي مصاحبتي خلال الجولة معلنا علي غير عادته تأييده العلني أمام الزملاء‏.‏هذه هي روح المناضل الشريف محمد السيد سعيد الزاهد في كل شئ إلا العمل والفكر‏,‏ والمؤمن بحرية التنوع والاختلاف فعلا وقولا‏,‏ بعيدا عن روح الاستئصال والعنف في العمل السياسي والنقابي والفكري‏.‏بعد فترة جاء بعض الزملاء من البديل طالبين تقديم أوراقهم إلي لجنة القيد قبل استيفاء المدة المقررة التي حددتها اللائحة بضرورة انتظام الصدور لمدة عام وقاموا بعمل مظاهرة لتحقيق هدفهم‏,‏ ومرة أخري يثبت الراحل انه مناضل شريف باتصاله بي وشرحت له الموقف كاملا‏,‏ وان الأمر لايعدو ان يكون سوي التزام باللوائح النقابية‏,‏ وأرسلت اليه تلك اللوائح واقتنع علي الفور‏,‏ رافضا الاستثناءات وملتزما باللوائح والقوانين‏,‏ وحتي بعد تركه رئاسة التحرير كنت دائم الاتصال به شارحا وموضحا وكان هو دائما محاورا رائعا ملتزما بالصواب دون شطط أو تطرف حتي لو كان ذلك مخالفا لمن هم ينتمون اليه فكريا أو لمن كانوا يعملون تحت رئاسته وهم يعتبرونه الاب الروحي لهم‏.‏ د محمد السيد سعيد سوف تظل روحه ترفرف علينا تبشر بفجر جديد يخلو من العنف والتطرف‏,‏ وتدعو الي إعلاء قيم العدالة الاجتماعية‏,‏ والتعايش واحترام حقوق الآخر‏...‏ رحم الله الفقيد العزيز وألهم اسرته الصبر والسلوان‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق